الحوار
يعيش الإنسان الواقع بكل تناقضاته، ويخالط أنواعاً لا نهاية لها من البشر، وهذا يتطلب من كل فرد أن يكون عقلانياً ومنطقياً في التعامل مع من حوله، وينمي إلى حدّ كبير ملكة الحوار مع الآخرين؛ لأن من شأن ذلك أن يدفع بمسيرة الازدهار نحو الأمام، والحوار البنَّاء أحد أهم الوسائل لتطوير الذات والمجتمع، كما أنه أداة من أدوات التقدم المستدام للأمم، فطالما وُجد الحوار بيننا حافظنا على ما حققناه، وزدنا عليه، وإن الحدّ الفاصل بين السموِّ والانحطاط هو عدم احترام الآخرين، وازدرائهم، والعناد غير المبرر، واعتبار أن الرأي الشخصيّ هو الصحيح فقط، وما تبقى محض أوهام تقاذفتها الريح هنا وهناك. وكلّما كان هناك تبادل للآراء ووجهات النظر بين الشعوب والأزمان انتشرت السعادة، وعمَّ النّعيم، وانتفت الخصومة والبغضاء، ولربَّما تُكِنُّ لشخص حقداً وكراهةً فبمجرد أن تجلس معه على طاولة الحوار، وتتبادلان الآراء تزول العداوة، والشحناء، وتتحولان إلى مودة، وألفة، وانسجام. وصدق الشاعر محمود سامي البارودي عندما قال:
- لَولَا مُدَاوَلَةُ الأَفْكَارِ مَا ظَهَرَتْ خَزَائِنُ الأَرْضِ بَينَ السَّهْلِ والعَلَمِ
وإن الحوار الناجح لا بدّ أن يقوم على مبادئ عدة، منها:
1- تقبُّل الآخر، والاعتراف به، وبحقه في الاختلاف في الرأي.
2- امتلاك العلم، والدليل الصحيح، والحُجَّة البيِّنة.
3- القول الحسن اللطيف، وتجنب الكلمات الجارحة، والخارجة عن الضوابط الأخلاقية.
4- الموضوعية، والواقعية، وامتلاك الجرأة على الاعتراف بصحة الرأي الآخر، وخطأ الرأي الشخصي، وذلك بعد الاقتناع بحُجَّة الطرف الثاني، وأدلته.
كما أنَّ هناك أمثلة كثيرة في القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة على الحوار، كحوار الله I للملائكة في قوله I: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:30]. وهذا يدل على الأهمية الكبرى للحوار، فهو جزء أساسي لا يمكن الاستغناء عنه، أو استبدله في تكوين المجتمعات، والأمم، والحضارات، واستمرارها.
0 تعليقات