الأممُ الأخلاقُ

أ. يوسف الشمري يوليو 02, 2024 يوليو 02, 2024
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال:
-A A +A

  الأممُ الأخلاقُ


الإنسانُ كائِنٌ مِن الكائنات الحيّة التي خُلِقَتْ على هذه الأرض، لكنَّ الله تعالى كرَّمه، ورفع من قدره بما منحَه مِن عقلٍ، وتفكير، فتميَّزَ بهما، وارتقى إلى الدرجات العُلا، حتى استطاع أن يحكم الأرض، ويرسِّخَ حضاراتٍ عريقةً استمرَّتْ لِعقودٍ، بل لقرونٍ مِن الزمن، ولكنَّ هذا العقل يحتاج إلى نبع يغذّيه ويرفده بالحياة، وهذا الينبوع هو العِلم، فكلّما رفع البشر مِن شأن العِلم واهتمُّوا به تقدَّمَتْ مُجتمعاتهم وازدهرت، فاسعَ أيُّها الإنسان نحو المعارف أينما كانت سواءً قريبةً أو بعيدة، سَهلةَ المَنال أو وَعرة الطّريق، وقد اهتمَّ الدِّين الإسلاميّ اهتماماً كبيراً بالعِلم، وأمر النّاس باكتسابه؛ لأنَّه أساسُ نهضةِ أيِّ حضارة ورقيِّ أيّ شَعب، فهو أشبهُ بالنور الذي يضيءُ فيُنقِذُنا من حالِك الجَهلِ والخُرافة إلى حياةٍ سعيدةٍ ينتشرُ فيها التّفاؤل والازدهار، فاجعلْ أيُّها الإنسان العِلم أساساً ونظاماً لحياتِك، فإنّ ذلك يكسبُك ثقةً كبيرةً، وقدرةً على التّصرف الصّحيح في كلّ المَواقف، وتصبحُ بهِ قادراً على تَركِ بصمة في جَبينِ الزّمن، ولكنَّ تحصيلَ العِلم يحتاجُ مِنك إلى الصَّبر، والمُجاهدةِ، وعدَمِ المَللِ، والانتقالِ بينَ العُلماءِ، وأمَّهاتِ الكُتبِ، وغير ذلك من مَصادر المَعرفة، كما يجبُ على الجِهات المَسؤولة أنْ تهتمَّ بدُورِ العِلمِ ومُؤسساتِها؛ لِتصبِحَ صُروحاً عظيمةً تَرتقي بطلّابها عالياً حتى ينافسوا نجوم السماء، ومِن الضّروريّ أن تكون العلومُ مرتبطةً ارتباطاً وثيقاً بالأخلاق الرّفيعة؛ لأنَّها تَلْجُمُ الإنسانَ عن استخدامِ العِلم في الجوانب السّلبية، والحضارة الحقيقية هي التي يجتمع فيها العِلم والأخلاق، وبدون الأخلاق تصبح الحياة مادية جافة لا مكان فيها للروحانيات، والوجدان، وتمسي غابة موحشة القويُّ فيها يأكل الضعيف، ويصبح الإنسان كالألة الخالية من المشاعر والأحاسيس تحركها متطلبات العصر المصطنعة، وهذا ما تكلم عنه أحمد شوقي:


وإنَّما الأممُ الأخلاقُ ما بَقيَتْ فإنْ همُ ذهبَتْ أخلاقُهُم ذَهبُوا 

 

ومِن أبرزِ الأمثلةِ على نَتائجِ تَطبيقِ العِلم المرتبط بالأخلاق في العَصر الحديثِ هو ما قامَتْ بهِ ماليزيا عندما أسّست وزارةً خاصّةً في العُلومِ، والتّكنولوجيا، والابتِكار، وبالَغَتْ كثيراً في تَغْليبِ لُغةِ العِلمِ؛ ممَّا انعكسَ إيجاباً على واقِع الحياة هناك، وكان ذلك أحد أهمِّ الأسباب لانتقال هذه الدولة انتقالاً حَضاريّاً كبيراً، بعدَ أنْ كانَتْ في ستِّينيات القَرنِ الماضِي مِنَ الدُّولِ النَّاميةِ، فقدْ أصبَحَتْ في غُضونِ خَمسين عاماً مِنَ الدُّول المُتطوِّرةِ والمُتقدِّمةِ في كَثيرٍ مِن المَجالات.


وأخيراً أوجِّهُ خطاباً للأجيالِ القادِمة أحُثُّهم فيه على ترْكِ سَفاسِفِ الأمورِ، وقُشور الحَضارة الغربيّة الزّائفةِ التي تُكرِّسُ التّخلُّفَ، والانحِطاط، والالْتِفاتِ بكلِّ ما أوتُوا مِن قوَّةٍ نحوَ العِلمِ والأخلاق؛ فهما السّبيل الوحيدُ لِرفعِ قيمةِ الإنسانِ، ونَقلِ مُجتَمعنا إلى بَرِّ الأمان.

 

شارك المقال لتنفع به غيرك

أ. يوسف الشمري

الكاتب أ. يوسف الشمري

twitter instagram telegram

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

0 تعليقات

1113363916006075119
https://www.teacheryousef.com/