تحدي الزمن

أ. يوسف الشمري يوليو 16, 2024 يوليو 16, 2024
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال:
-A A +A

 تحدي الزمن



الزّمن يجري مسرعاً، ولا ينتظر أحداً، وقافلة الأيام تجدُّ سيرها منذ الأزل، وحتى الأبد، والعاقل من عرف قدره، ودرس إمكاناته، وراح يقارع ويصاولُ دون هوادة لبلوغ مراده وتطلعاته، فمَن كان صاحب حُلم ولم يحارب من أجله فلا يمكن أن يكون أهلاً للحياة الكريمة، ليس هذا فحسب، بل الأعظم من ذلك ألا تتوقف أيها الإنسان عند حدٍّ حتى ولو كان ذلك ما تصبوا إليه، ولكن اجعل غاياتك متجددة تتطور عبر الأيام، وحسب مقتضى الحال، فلا تجعل لنفسك سقفاً، فما أجملَ مُواصلةَ التحليق عالياً عالياً في سماءٍ ممتدة بلا نهاية! وهذا ما نلمحه في تاريخ الأدب العربي. وأصدق مثالٍ على ذلك الشاعر أحمد بن الحسين المتنبي مالِئ الدنيا، وشاغل الناس، فهو يقول:


أريدُ مِنْ زَمني ذا أنْ يبلِّغَني              ما ليسَ يَبلغُهُ مِنْ نفسِه الزَّمنُ


فما أروع ما تفوَّه به! وما أبهاه! حيث ترفَّعَ هذا الشاعر صاحب النفس الأبية المُشرئبَّةِ عن مُسابقة الناس، ومنافستهم، وتجاوزَ ذلك إلى قِراع الزّمن نفسه، وتحداه تحدّياً ممزوجاً بالطلب أيضاً؛ لأنه يطمح أن يُوصله إلى موقع عجزَ الزمان بكل جبروته وسطوته أن يصل إليه، أو يرتقي نحوه، ويبدو للوهلة الأولى أن ما طرحه المتنبي وما سعى إليه ضرب من ضروب الخيال، لا يخوض فيه إلّا ذو تهوُّرٍ، وطيش، وقلة تخطيط، ولكن الأمر عكس ذلك تماماً، حيث إن المتنبي لم يقصد المَعنى الحرفي للكلام، بل أراد إخبارنا أنّ نظرتَه للحياة عميقةٌ، وعقلَه حاضرٌ ويَقظ، ويعرف تماماً أين يضَعُ قدمه، فصراعه ليس مع الزمن ذاته، بل مع صروف الزمن، ونوائبه، وشدائده الكثيرة الممتدة ما دامت الحياة قائمة، وما دام في المرء عرق ينبض، ودماء تسري في الشرايين، وبدا لكلّ متمعّنٍ أنه مصمم على تجاوز كل العقبات التي تواجهه، وأنّ بأسهُ أشدُّ من بأسها، وعزيمته أصلب من قسوتها، وإصراره يتفوّق على عظمتها وعنادها، فإذا تحلى الإنسان العربيّ في عصرنا الحاليّ واتَّصفَ بتلك الصفات، وامتلَكَ تلك النفس التي بين جنبيّ المتنبيّ فسوف يرقى إلى مواقع بلغها المتنبي، وربما تفوّق عليه وزاد الكثير الكثير مُرتكزاً على تقدُّم عِلمي، وتطوّر تكنولوجيّ لم يكونا موجودَين في ذلك الزمن القديم.  

  


شارك المقال لتنفع به غيرك

أ. يوسف الشمري

الكاتب أ. يوسف الشمري

twitter instagram telegram

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

0 تعليقات

1113363916006075119
https://www.teacheryousef.com/