بلوغُ القمَّةِ
الحياة مدّ هائل يصيب الجميع، وطوفان كبير يصل إلى كل مَن يحاول الهرب منه، وبحر واسع مترامي الأطراف هائج حيناً وهادئ حيناً آخر، والعاقل مَن يعرف كيف يخوضه ويجتازه، ويعوم بين أمواجه المتلاطمة، ولن تنجح في مواجهتك هذه إلا إذا كان هدفك هو بلوغ القمة، فعلى الإنسان ألّا يستسلم للظروف، وألّا تقهره الصعاب مهما تعاظمت، وهناك خطوات لا بدّ من القيام بها، وأولها: العمل، فالحياة بلا عمل وكدّ لا معنى لها، فلن يشعر المرء بطعم الزاد إلا إن تعب فيه، ولن يحس بلذة النجاح إلا إن بذل قصارى جهده في سبيل ذلك، وهكذا....، ولكن العمل وحده لا يكفي، بل يجب أن يقترن ويمتزج ويتعانق مع العِلم، فهما صديقان حميمان متلازمان، لا ينفصل أحدهما عن الآخر، فكل عمل لا يستند إلى قاعدة متينة صلبة من العلم سيبقى هشاً ضعيفاً قابلاً للانهيار في أية لحظة، ومعرَّضٌ للضياع في متاهات الدنيا المتداخلة، فكن حريصاً كل الحرص على التحصيل العلمي بشتى الوسائل الممكنة، كما أن المحرك الأول لمسيرة الإنسان نحو العلا والعلاء هو "الطموح" الجامح المتوثب الذي لا يقف في وجهه شيء، وهو ما يجعل صاحبه قادراً على المتابعة والاستمرار، ومن المهم جداً رسْمُ خطة عمل واضحة الملامح لا يعروها غموض، ولا ضبابية، تكون بمثابة خارطة طريق تسير عليها بخطوات ثابتةٍ راسخة قوية متناسقة ومنسجمة مع الظروف المحيطة، فلا تضلُّ، ولا تضيع، ولا تتشابه عليك الأحوال والمقاصد، فهدفك أمام عينيك ودربك بادٍ ظاهرٌ كشمس نهار خالٍ من الغيوم، وكل تلك الخطوات التي ذكرناها سابقاً لن تكون فعَّالة وناجعة ما لم تُظلَّل بإرادة قوية، وعزيمة لا تلين، وقدرة على متابعة المشوار مهما لاقيت من العثرات، وسقطْتَ هنا وهناك، وأصابك انتكاس، وزلَّت بك الأقدام، فصاحب الإصرار والثبات يبقى دائماً رابط الجأشِ شجاعاً لا يستسلم من أول سقوط، بل يكون ذلك دافعاً لا مثبطاً، ومحفزاً لا مُجَمِّداً، ومثيراً لكل دوافع القوة الكامنة في النفس البشرية، فلا تحزن إن نَبَا سَيفُك مرّةً، أو كَبا جوادك، أو أخطأ سهمك الهدف، فالحياة فيها بقية، وذلك الضوء المبهر الذي يضيء في العلياء يشدك ويجذبك حتى تقبض عليه، وهذا هو المعنى الحقيقي للحياة، فإما القمة، وإما الموت دون ذلك.
0 تعليقات