النّفسُ الطَّامحةُ

أ. يوسف الشمري يوليو 07, 2024 يوليو 07, 2024
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال:
-A A +A

 النّفسُ الطَّامحةُ



الحياة ميدان صراع وتجاذبات وتناقضات ومضمار سباق نحو النجاح والرقي لا مفرّ من الخوض فيه، فيجد الإنسان نفسه ودون سابق إنذار يجاري الكثير من البشر وينافسهم شاء أو أبى؛ لأن الواقع يفرض عليه ذلك، وأكثر ما يلزمه في هذا المجال ويؤدي به إلى ما يصبو إليه هي النفس الطامحة التي لا تهدأ، ولا تستكين قبل بلوغ الأهداف التي رسمها صاحبها، وجعلها مطمحاً يسعى نحوه، والنفس الطامحة لا تنظر إلى الوراء نظرة المتخاذل الضعيف، بل عيناها تنظران على الدوام إلى الأمام ومتعلقتان بالأمل، وتتفجر داخلها كل أشكال النشاط والحيوية، ولا تعرف أيّ معنىً للكسل والتململ، وهي مليئة بالثقة الكبيرة، وتعرف من أين تؤكل الكتف، وفي أي المواضع يجب أن توضع الأقدام، والنفس الطامحة لا تقنع بإنجاز واحد، بل تجعل منه درجة تصعد من خلالها إلى إنجازات وإنجازات لا تقف عند حد معين، فهي تعمل دون توقف، ولا تبالي بالأخطار مهما عظمت وتكاثرت، وإنما تتغلب عليها وتذللها حتى تصنع منها درباً معبَّداً وممهّداً، ومما تهواه هذه النفس المغامرة والتحدّي فلا ينسرب إليها الخوف أو الجزع فهما معنيان لا وجود لهما في قاموسها. وكلما كانت النفس الطموحة مندفعة أبية فإنها سوف تُتعِب الجسد الذي يحملها؛ لأنه سيسعى بكل ما يملك من طاقات وقدرات لإرضائها، وهنا يستحضرنا قول الشاعر الكبير أحمد بن الحسين (المتنبي):


وإذا كانت النفوس كبيرة تعبت في مرادها الأجسام


ولكن ما أجمل هذا التعب، وهذا البذل! إذا كانت الغاية سامية وراقية، وهي بلوغ أعلى درجات الرفعة والسؤدد، وفي خضمّ هذا الجموح في طلب ما تصبو إليه عليك أن تكبح جماح نفسك إذا انحرفت عن جادة الصواب، وراحت تسير في طريق خاطئ يؤدي إلى إيذاء الأخرين وضررهم، أو ارتكاب الفواحش، أو الاتصاف بالأنانية، أو حب التسلط والتملك وتدمير كل مَن يقف في طريق الهدف، فالغاية أبداً لا تبرر الوسيلة، فكن مع اندفاعك هادئاً، ومع تعجلك متأنياً، ومع رغباتك المتجددة عاقلاً حكيماً رزيناً، وبذلك تروضها وتصل بها إلى جادة الصواب وبرّ الأمان.


ولكن هل يكفي الطموح وحده للارتقاء؟ وهل النفس الطامحة تتكفل وحدها بالجوز لصاحبها إلى مراتب العلوّ والشرف الرفيع؟ طبعاً لا، فلا بدّ لك أيها الطامح، يا مَن تنظر إلى الأمام دائماً أن ترفدها بينابيع كثيرة كالعِلم، والأخلاق الحميدة، والإخلاص في العمل، والإرادة الحديدية، وغيرها الكثير، وعند ذلك فقط يتراءى لك خط النهاية السعيدة التي تاقت إليها نفسك الطامحة.


شارك المقال لتنفع به غيرك

أ. يوسف الشمري

الكاتب أ. يوسف الشمري

twitter instagram telegram

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

0 تعليقات

1113363916006075119
https://www.teacheryousef.com/?m=1