الشِّعرُ والعَرب

أ. يوسف الشمري يوليو 04, 2024 يوليو 04, 2024
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال:
-A A +A

 الشِّعرُ والعَرب



     الأمة العربية أمة عريقة، وللعرب من الخصال والمميزات الكثير ليعتزوا بها ويفخروا، ولكنهم أكثر ما تفاخروا به وتنافسوا فيه هو الشعر، فقد بلغ عندهم مرتبة عالية لا تدانيها أيّة مرتبة، ووضعوا فيه بلاغتهم، وتَليينِه ليكون طوعَ بَنانهم، ورهن أفكارهم، وميداناً لِصورهم وأخيِلتهم، وبثُّوهُ مَشاعرهم، وتطلُّعاتهم، ومُعتقداتهم، ومبادئهم، وصفاتهم، وقد صدق من قال: الشِّعرُ دِيوانُ العَرب؛ لأنك تجد فيه كل ما تريد معرفته عنهم، فهو تاريخ يروي الأحداث التي مروا بها، وسِجِلٌّ يحفظ ما يجول في أذهانهم، وقد تبارت القبائل العربية منذ القدم بالشعر إلى جانب الفروسية والشجاعة، فالبراعة في السيف لا تقل أهمية عن البراعة في الكلمة، وقد بلغ منهم أنهم جعلوا أسواقاً خاصة للمنافسات الشعرية كسوق عكاظ، وذي المجنة، وذي المجاز، فقد كانت العرب تجتمع فيها، ويأتي الشعراء، ويلقون قصائدهم المشتعلة فخراً، وحماساً، وغزلاً، ووقوفاً على الأطلال، ووصْفاً لرحلاتهم، وراحِلَتهم، وتبدأ ذائقة العربيّ تعمل حتى تحدد مَن هو الشاعر الذي يعلو شعره على باقي الشعراء، ووصل الأمر بهم أنهم كتبوا عِظام القصائد بماء الذهب، وعلّقوها على أستار الكعبة أقدَسِ المقدّسات، وقد قال حسان بن ثابت في الشعر:

-      وإنّما الشِّعرُ لبُّ المَرءِ يَعرضُه         على المَجالسِ إنْ كَيْسًا وإنْ حُمُقا

-      وإنَّ أحسنَ بيتٍ أنتَ قائِلُه               بيتٌ يُقالُ إذا أنشَدتَه صَدَقا


وقد حافظ الشّعر على مكانته السامية الراقية على امتداد عصور عديدة، فهو أشبه بالمحطات الفضائية في عصرنا، ولكن دوره بدأ يتراجع أمام وسائل العصر الحديث من الفضائيات وشبكات الإنترنت وغيرها ما قلل من اهتمام الناس والحُكَّام على حدٍّ سواء بالشّعرِ خاصةً، وبفنون الأدب عامّة، فتطورات الحياة، وتسارع المكتشفات كرّست شكلاً جديداً من أشكال اهتمامات الناس، فبريق الحداثة وشعاعها الباهر أغرى عيون الأكثرية، وملك عقولهم وحرف اهتماماتها عن الشعر، ليغدو فناً يمارسه المختصون وتُعجَب به فئةٌ من الجماهير التي ما زالت عاشقة للجمال الروحيّ والوجدانيّ.


ولكن يبقى الشعر الفن الأرفع من فنون الأدب، وتبقى مكانته عالية رفيعة، فرغم كلّ المستجدات وزحمة المخترعات وتشابك المادّيّات وكثرة المشاغل يخرج ضياء الشعر لِينيرَ ما حوله، ويَستعيدَ شيئاً من دوره الذي فقده في الحياة التي قادها لفترات طويلة من الزمن.


شارك المقال لتنفع به غيرك

أ. يوسف الشمري

الكاتب أ. يوسف الشمري

twitter instagram telegram

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

0 تعليقات

1113363916006075119
https://www.teacheryousef.com/